فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} فالمعنى أن القوم استبعدوا أن يردهم إلى حال الحياة بعد أن صاروا عظامًا ورفاتًا.
وهي وإن كانت صفة منافية لقبول الحياة بحسب الظاهر لكن قدروا انتهاء هذه الأجسام بعد الموت إلى صفة أخرى أشد منافاة لقبول الحياة من كونها عظامًا ورفاتًا مثل أن تصير حجارة أو حديدًا، فإن المنافاة بين الحجرية والحديدية وبين قبول الحياة أشد من المنافاة بين العظمية وبين قبول الحياة، وذلك أن العظم قد كان جزءًا من بدن الحي.
أما الحجارة والحديد فما كانا ألبتة موصوفين بالحياة، فبتقدير أن تصير أبدان الناس موصوفة بصفة الحجرية والحديدية بعد الموت، فإن الله تعالى يعيد الحياة إليها ويجعلها حيًا عاقلًا كما كان، والدليل على صحة ذلك أن تلك الأجسام قابلة للحياة والعقل إذ لو لم يكن هذا القبول حاصلًا لما حصل العقل والحياة لها في أول الأمر.
وإله العالم عالم بجميع الجزئيات فلا تشتبه عليه أجزاء بدن زيد المطيع بأجزاء بدن عمرو العاصي.
وقادر على كل الممكنات، وإذا ثبت أن عود الحياة إلى تلك الأجزاء ممكن في نفسه وثبت أن إله العالم عالم بجميع المعلومات قادر على كل الممكنات، كان عود الحياة إلى تلك الأجزاء ممكنًا قطعًا، سواء صارت عظامًا ورفاتًا أو صارت شيئًا أبعد من العظم في قبول الحياة وهي أن تصير حجارة أو حديدًا، فهذا تقرير هذا الكلام بالدليل العقلي القاطع، وقوله: {كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} ليس المراد منه الأمر بل المراد أنكم لو كنتم كذلك لما أعجزتم الله تعالى عن الإعادة، وذلك كقول القائل للرجل: أتطمع في وأنا فلان فيقول: كن من شئت كن ابن الخليفة، فسأطلب منك حقي.
فإن قيل: ما المراد بقوله: {أَوْ خَلْقًا}.
قلنا: المراد أن كون الحجر والحديد قابلًا للحياة أمر مستبعد، فقيل لهم: فافرضوا شيئًا آخر أبعد عن قبول الحياة من الحجر والحديد بحيث يستبعد عقلكم كونه قابلًا للحياة وعلى هذا الوجه فلا حاجة إلى أن يتعين ذلك الشيء، لأن المراد أن أبدان الناس وإن انتهت بعد موتها إلى أي صفة فرضت وأي حالة قدرت وإن كانت في غاية البعد عن قبول الحياة فإن الله تعالى قادر على إعادة الحياة إليها، وإذا كان المراد من الآية هذا المعنى فلا حاجة إلى تعيين ذلك الشيء، وقال ابن عباس: المراد منه الموت، يعني لو صارت أبدانكم نفس الموت فإن الله تعالى يعيد الحياة إليها، واعلم أن هذا الكلام إنما يحسن ذكره على سبيل المبالغة مثل أن يقال: لو كنت عين الحياة فالله يميتك ولو كنت عين الغنى فإن الله يفقرك، فهذا قد ذكر على سبيل المبالغة، أما في نفس الأمر فهذا محال، لأن أبدان الناس أجسام والموت عرض والجسم لا ينقلب عرضًا ثم بتقدير أن ينقلب عرضًا فالموت لا يقبل الحياة لأن أحد الضدين يمتنع اتصافه بالضد الآخر، وقال مجاهد: يعني السماء والأرض.
ثم قال: {فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الذي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} والمعنى أنه لما قال لهم: كونوا حجارة أو حديدًا أو شيئًا أبعد في قبول الحياة من هذين الشيئين فإن إعادة الحياة إليه ممكنة فعند ذلك قالوا: من هذا الذي يقدر على إعادة الحياة إليه، قال تعالى قل يا محمد: الذي فطركم أول مرة يعني أن القول بصحة الإعادة فرع على تسليم أن خالق الحيوانات هو الله تعالى. فإذا ثبت ذلك فنقول: إن تلك الأجسام قابلة للحياة والعقل وإله العالم قادر لذاته عالم لذاته فلا يبطل علمه وقدرته ألبتة، فالقادر على الابتداء يجب أن يبقى قادرًا على الإعادة، وهذا كلام تام وبرهان قوي.
ثم قال تعالى: {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ} قال الفراء يقال: أنغض فلان رأسه ينغضه إنغاضًا إذا حركه إلى فوق وإلى أسفل وسمي الظليم نغضًا لأنه يحرك رأسه، وقال أبو الهيثم: يقال للرجل إذا أخبر بشيء فحرك رأسه إنكارًا له قد أنغض رأسه فقوله: {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ} يعني يحركونها على سبيل التكذيب والاستبعاد.
ثم قال تعالى: {وَيَقُولُونَ متى هُوَ} واعلم أن هذا السؤال فاسد لأنهم حكموا بامتناع الحشر والنشر بناء على الشبهة التي حكيناها، ثم إن الله تعالى بين بالبرهان الباهر كونه ممكنًا في نفسه، فقولهم متى هو كلام لا تعلق له بالبحث الأول، فإنه لما ثبت بالدليل العقلي كونه ممكن الوجود في نفسه وجب الاعتراف بإمكانه، فأما أنه متى يوجد فذاك لا يمكن إثباته من طريق العقل، بل إنما يمكن إثباته بالدلائل السمعية فإن أخبر الله تعالى عن ذلك الوقت المعين عرف وإلا فلا سبيل إلى معرفته.
واعلم أنه تعالى بين في القرآن أنه لا يطلع أحدًا من الخلق على وقته المعين، فقال: {إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ الساعة} [لقمان: 34] وقال: {إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبّي} [الأعراف: 187] وقال: {إِنَّ الساعة ءاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه: 15] فلا جرم.
قال تعالى: {قُلْ عسى أَن يَكُونَ قَرِيبًا} قال المفسرون عسى من الله واجب معناه أنه قريب.
فإن قالوا: كيف يكون قريبًا وقد انقرض ستمائة سنة ولم يظهر؟
قلنا: إذا كان ما مضى أكثر مما بقي كان الباقي قريبًا قليلًا، ثم قال تعالى: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ} وفيه قولان: الأول: أنه خطاب مع الكفار بدليل أن ما قبل هذه الآية كله خطاب مع الكفار، ثم نقول انتصب يومًا على البدل من قوله: {قريبًا}، والمعنى عسى أن يكون البعث يوم يدعوكم أي بالنداء الذي يسمعكم وهو النفحة الأخيرة كما قال: {يَوْمَ يُنَادِ المناد مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} [ق: 41] يقال: إن إسرافيل ينادي أيتها الأجساد البالية والعظام النخرة والأجزاء المتفرقة عودي كما كنت بقدرة الله تعالى وبإذنه وتكوينه، وقال تعالى: {يَوْمَ يَدْعُو الداع إلى شَيْء نُّكُرٍ} [القمر: 6] وقوله: {فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} أي تجيبون والاستجابة موافقة الداعي فيما دعا إليه وهي الإجابة إلا أن الاستجابة تقتضي طلب الموافقة فهي أوكد من الإجابة، وقوله: {بِحَمْدِهِ} قال سعيد بن جبير: يخرجون من قبورهم وينفضون التراب عن رؤسهم ويقولون: سبحانك وبحمدك، فهو قوله: {فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} وقال قتادة بمعرفته وطاعته، وتوجيه هذا القول أنهم لما أجابوا بالتسبيح والتحميد كان ذلك معرفة منهم وطاعة ولكنهم لا ينفعهم ذلك في ذلك اليوم.
فلهذا قال المفسرون: حمدوا حين لا ينفعهم الحمد، وقال أهل المعاني: تستجيبون بحمده.
أي تستجيبون حامدين كما يقال: جاء بغضبه أي جاء غضبان وركب الأمير بسيفه أي وسيفه معه وقال صاحب الكشاف: {بحمده} حال منهم أي حامدين، وهذا مبالغة في انقيادهم للبعث كقولك لمن تأمره بعمل يشق عليه ستأتي به وأنت حامد شاكر، أي ستنتهي إلى حالة تحمد الله وتشكره على أن اكتفي منك بذلك العمل وهذا يذكر في معرض التهديد.
ثم قال: {وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلًا} قال ابن عباس يريد بين النفختين الأولى والثانية فإنه يزال عنهم العذاب في ذلك الوقت، والدليل عليه قوله في سورة يس: {مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} [يس: 52] فظنهم بأن هذا لبث قليل عائد إلى لبثهم فيما بين النفختين، وقال الحسن: معناه تقريب وقت البعث فكأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل فهذا يرجع إلى استقلال مدة اللبث في الدنيا وقيل المراد استقلال لبثهم في عرصة القيامة؛ لأنه لما كانت عاقبة أمرهم الدخول في النار استقصروا مدة لبثهم في برزخ القيامة.
القول الثاني: أن الكلام مع الكفار تم عند قوله: {عسى أَن يَكُونَ قَرِيبًا} وأما قوله: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} فهو خطاب مع المؤمنين لا مع الكافرين لأن هذا الكلام هو اللائق بالمؤمنين لأنهم يستجيبون لله بحمده، ويحمدونه على إحسانه إليهم، والقول الأول هو المشهور، والثاني ظاهر الاحتمال.
{وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53)}.
اعلم أن قوله: {قُل لّعِبَادِيَ} فيه قولان:
القول الأول: أن المراد به المؤمنون، وذلك لأن لفظ العباد في أكثر آيات القرآن مختص بالمؤمنين قال تعالى: {فَبَشّرْ عِبَادِ * الذين يَسْتَمِعُونَ القول} [الزمر: 17، 18] وقال: {فادخلى في عِبَادِى} [الفجر: 29] وقال: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله} [الإنسان: 6].
إذا عرفت هذا فنقول: إنه تعالى لما ذكر الحجة اليقينية في إبطال الشرك وهو قوله: {لَّوْ كَانَ مَعَهُ ءالِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِى العرش سَبِيلًا} [الإسراء: 42] وذكر الحجة اليقينية في صحة المعاد وهو قوله: {قُلِ الذي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الإسراء: 51] قال في هذه الآية وقل يا محمد لعبادي إذا أردتم إيراد الحجة على المخالفين فاذكروا تلك الدلائل بالطريق الأحسن.
وهو أن لا يكون ذكر الحجة مخلوطًا بالشتم والسب، ونظير هذه الآية قوله: {ادع إلى سَبِيلِ رَبّكَ بالحكمة والموعظة الحسنة} [النحل: 125] وقوله: {وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلاَّ بالتي هي أَحْسَنُ} [العنكبوت: 46] وذلك لأن ذكر الحجة لو اختلط به شيء من السب والشتم لقابلوكم بمثله كما قال: {وَلاَ تَسُبُّواْ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله فَيَسُبُّواْ الله عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108] ويزداد الغضب وتتكامل النفرة ويمتنع حصول المقصود، أما إذا وقع الاقتصار على ذكر الحجة بالطريق الأحسن الخالي عن الشتم والإيذاء أثر في القلب تأثيرًا شديدًا فهذا هو المراد من قوله: {وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ التى هي أَحْسَنُ} ثم إنه تعالى نبه على وجه المنفعة في هذا الطريق فقال: {إِنَّ الشيطان يَنزَغُ بَيْنَهُمْ} جامعًا للفريقين أي متى صارت الحجة مرة ممزوجة بالبذاءة صارت سببًا لثوران الفتنة.
ثم قال: {إِنَّ الشيطان كَانَ للإنسان عَدُوّا مُّبِينًا} والمعنى: أن العداوة الحاصلة بين الشيطان وبين الإنسان عداوة قديمة قال تعالى حكاية عنه: {ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أيمانهم وَعَن شَمَائِلِهِمْ} [الأعراف: 17] وقال: {كَمَثَلِ الشيطان إِذ قَالَ للإنسان اكفر فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنّي بَرِيء منكَ إِنّي أَخَافُ الله رَبَّ العالمين} [الحشر: 16] وقال: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أعمالهم} [الأنفال: 48] وقال: {لاَ غَالِبَ لَكُمُ اليوم مِنَ الناس وَإِنّي جَارٌ لَّكُمْ} إلى قوله: {إِنّي بَرِيء مّنْكُمْ} [الأنفال: 48].
ثم قال تعالى: {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذّبْكُمْ} واعلم أنا إنما نتكلم الآن على تقدير أن قوله تعالى: {قُل لّعِبَادِيَ} المراد به المؤمنون، وعلى هذا التقدير فقوله: {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ} خطاب مع المؤمنين، والمعنى: إن يشأ يرحمكم، والمراد بتلك الرحمة الإنجاء من كفار مكة وأذاهم أو إن يشأ يعذبكم بتسليطهم عليكم.
ثم قال: {وَمَا أرسلناك} يا محمد {عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} أي حافظًا وكفيلًا فاشتغل أنت بالدعوة ولا شيء عليك من كفرهم فإن شاء الله هدايتهم هداهم، وإلا فلا.
والقول الثاني: أن المراد من قوله: {وَقُل لّعِبَادِى} الكفار، وذلك لأن المقصود من هذه الآيات الدعوة، فلا يبعد في مثل هذا الموضع أن يخاطبوا بالخطاب الحسن ليصير ذلك سببًا لجذب قلوبهم وميل طباعهم إلى قبول الدين الحق، فكأنه تعالى قال: يا محمد قل لعبادي الذين أقروا بكونهم عبادًا لي يقولوا التي هي أحسن.
وذلك لأنا قبل النظر في الدلائل والبينات نعلم بالضرورة أن وصف الله تعالى بالتوحيد والبراءة عن الشركاء والأضداد أحسن من إثبات الشركاء والأضداد، ووصفه بالقدرة على الحشر والنشر بعد الموت أحسن من وصفه بالعجز عن ذلك، وعرفهم أنه لا ينبغي لهم أن يصروا على تلك المذاهب الباطلة تعصبًا للأسلاف، لأن الحامل على مثل هذا التعصب هو الشيطان، والشيطان عدو، فلا ينبغي أن يلتفت إلى قوله ثم قال لهم: {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ} بأن يوفقكم للإيمان والهداية والمعرفة.
وإن يشأ يمتكم، على الكفر فيعذبكم، إلا أن تلك المشيئة غائبة عنكم فاجتهدوا أنتم في طلب الدين الحق، ولا تصروا على الباطل والجهل لئلا تصيروا محرومين عن السعادات الأبدية والخيرات السرمدية، ثم قال لمحمد صلى الله عليه وسلم: {وَمَا أرسلناك عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} أي لا تشدد الأمر عليهم ولا تغلظ لهم في القول، والمقصود من كل هذه الكلمات: إظهار اللين والرفق لهم عند الدعوة فإن ذلك هو الذي يؤثر في القلب ويفيد حصول المقصود.
ثم قال: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السموات والأرض} والمعنى أنه لما قال قبل ذلك: {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ} قال بعده: {رَبَّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السموات والأرض} بمعنى أن علمه غير مقصور عليكم ولا على أحوالكم بل علمه متعلق بجميع الموجودات والمعدومات ومتعلق بجميع ذوات الأرضين والسموات فيعلم حال كل واحد ويعلم ما يليق به من المصالح والمفاسد، فلهذا السبب فضل بعض النبيين على بعض وآتى موسى التوراة وداود الزبور وعيسى الإنجيل، فلم يبعد أيضًا أن يؤتي محمدًا القرآن ولم يبعد أن يفضله على جميع الخلق.
فإن قيل: ما السبب في تخصيص داود عليه الصلاة والسلام في هذا المقام بالذكر؟.
قلنا: فيه وجوه:
الوجه الأول:
أنه تعالى ذكر أنه فضل بعض النبيين على بعض، ثم قال: {وَءاتَيْنَا دَاوُودُ زَبُورًا} يعني أن داود كان ملكًا عظيمًا، ثم إنه تعالى لم يذكر ما آتاه من الملك وذكر ما آتاه من الكتاب، تنبيهًا على أن التفضيل الذي ذكره قبل ذلك، المراد منه التفضيل بالعلم والدين لا بالمال.
والوجه الثاني:
أن السبب في تخصيصه بالذكر أنه تعالى كتب في الزبور أن محمدًا خاتم النبيين وأن أمته خير الأمم قال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور مِن بَعْدِ الذكر أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون} [الأنبياء: 105] وهم محمد وأمته.
فإن قيل: هل عرف كما في فقوله: {ولقد كتبنا في الزبور}.
قلنا: التنكير ههنا يدل على تعظيم حاله، لأن الزبور عبارة عن المزبور فكان معناه الكتاب فكان معنى التنكير أنه كامل في كونه كتابًا.
والوجه الثالث:
أن السبب فيه أن كفار قريش ما كانوا أهل نظر وجدل بل كانوا يرجعون إلى اليهود في استخراج الشبهات واليهود كانوا يقولون: إنه لا نبي بعد موسى ولا كتاب بعد التوراة فنقض الله تعالى عليهم كلامهم بإنزال الزبور على داود، وقرأ حمزة: {زبورًا} بضم الزاي، وذكرنا وجه ذلك في آخر سورة [النساء: 163]. اهـ.